أبي الحبيب.. بعد أن كبرت وكبرت معي آلامي وضاقت علي الأرض بما رحبت، وصار الأمان بالنسبة لي سرابًا طالما بحثت عنه فلم أجده، قررت الكتابة إليك على الملأ عسى أن تقرأ آهاتي وأوجاعي فيرق قلبك ويهتز كيانك وتلين مشاعرك فترحم غربتي ووحدتي في هذه الحياة وتتواصل معي بأي شكل..
منذ أن هجرتني وأمي منذ سنوات طوال وأنا أبحث عنك في كل شارع أمر به وفي كل مكان أذهب إليه، أتفحص وجوه المارة، وأدقق في سماع الأصوات من حولي أينما ذهبت لعلي أسمع صوتك يناديني ولو لمرة واحدة..
سنوات مضت وأنا لا أعرف لك عنوانا.. ولا أعلم طريقًا مباشرًا أو غير مباشر يوصلني إليك.
ألهذه الدرجة كنتُ عبئا إضافيًا عليك فآثرت السلامة وتخلصت منه مبكرا؟ ألهذا الحد يؤلمك وجودي في الحياة؟.. فماذا إقترفت حتى تحرمني من وجودك بجانبي، وتسلبني حقي المشروع في العيش في كنفك والإستمتاع بحنانك وعطفك وحبك الفطري لي؟.. لماذا تصر على أن تبقى لي مجرد ذكرى محفورة بداخلي تؤلمني وتسعدني في الوقت ذاته؟!..
طالما جلست وحيدة يعتصر قلبي ألمًا وأبكي إلى حد الإنهيار وكنت في أمس الحاجة إلى أن تحنو عليَ وتكفكف دمعي بيدك.. كثيرًا ما شعرت بالخوف والفزع لصعوبة الحياة وقسوة بعض المحيطين بي وإنتظرتك لتنتشلني من واقعي الأليم وتغمرني بالأمان والطمأنينة وتضمني لصدرك عساني أهدأ وأستكين وأرتاح قليلا من عناء مستمر يصر على ملازمتي ويرفض مغادرتي!..
أبي الحبيب لقد جاوز حنيني وإشتياقي إليك المدى، حقًا وصدقًا أفتقدك بكل ما تحمله كلمة الافتقاد من معانٍ..
كلي أمل أن يستيقظ شعورك بوجودي في أقرب وقت ممكن وتهرول إليَ محاولًا إصلاح ما تم إفساده لعودة الأمور إلى نصابها الطبيعي.. فالقضية لم تعد قضية إنفاق مادي كما كانت وأنا صغيرة.. الأمر الآن أعظم وأوسع من ذلك بكثير..
يا أبي ثق تمامًا أنني أبحث عنك وأتطلع إلى رؤيتك والأُنس بك ليس فقط لأنني أحتاجك في هذه المرحلة من حياتي، بل لأنني أعي جيدًا أنك في هذه السن أيضًا تحتاج لوجودي بصحبتك لأصِلك وأرعاك لو كنت في حاجة إلى الرعاية والخدمة دون ضجر أو ملل، ولأنني من أجسد عمرك ومشوار حياتك تجسيدًا فعليًا..
حتى نلتقي يا أبي الحبيب ليس لي سوى طريق الصبر والدعاء أسلكه، أملًا ورجاءً وطمعًا في رحمة الله الحنان المنان ذي الجلال والإكرام الذي لا يحمد على مكروه سواه.
الكاتب: هناء المداح.
المصدر: موقع رسالة المرأة.